الأربعاء 30 آذار , 2022 04:37

من هي عائلة "روتشليد" التي خدمت "المشروع الصهيوني"؟

يفضل المفكر وعالم الاجتماع المصري عبد الوهاب المسيري مصطلح "الرأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية" الذي يفيد عدم وجود رأسمالية يهودية مستقلة. فالرأسمالية الاميركية، على سبيل المثال، تضم رأسماليين أميركيين لهم انتماءات إثنية مختلفة، فالانتماء الإثني الخاص هو الفرع والجزء، والرأسمالية الأميركية هي الأصل والكل.

ومما لا شك فيه أن أعضاء الجماعات اليهودية لعبوا دوراً فعالاً في نشوء وتطور الرأسمالية في العالم الغربي، ولكن لا يمكن اعتبارهم مسؤولين عن ظهورها.

ولقد برز من الرأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية في بلاد غرب أوروبا والولايات المتحدة عائلة روتشيلد، علماً أن كارل ماركس قال في كتابه "المسألة اليهودية" إن أصغر رأسمالي أميركي يجعل روتشيلد كأنه شحاذ".

لعبت عائلة روتشيلد في انكلترا وفرنسا، وعائلات مومنتيفيوري وساسون ومانتاغو في انكلترا، دوراً مهماً في القطاع المالي والمصرفي في بلدهم حيث ساهموا في تمويل الحكومات والحروب وتطوير الرأسمالية في أوروبا وتمويل مشاريعها خلال القرن التاسع عشر.

عائلة روتشيلد، من رجال المال ويهود البلاط الذين تحولوا بالتدريج إلى رأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية، ويعود أصل العائلة إلى فرانكفورت في القرن السادس عشر، والإسم  روتشيلد منقول من عبارة ألمانية تعني "الدرع الأحمر" الذي كان على واجهة منزل مؤسس العائلة إسحق أكانانان. وقد حققت عائلة "روتشيلد" مكانة بارزة في عالم المال والبنوك في أوروبا بدءاً من القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين، وتاريخ تطور العائلة هو أيضاً تاريخ يهود البلاط واختفاءهم وتحوُّلهم إلى مجرد أعضاء في الرأسمالية الغربية ثم أعضاء في التشكيل الإمبريالي الغربي. الذي كان يُخطط لإقتسام الدولة العثمانية والإستيلاء على ثروات الشرق، عدا عن دعم المشروع الصهيوني في فلسطين.

كبير عائلة روتشيلد "ماغيراشيل" (1743-1812) تاجر العملات القديمة هو الذي وسَّع نطاق العائلة في مجال المال والبنوك، بعد أن حقق ثروة طائلة أثناء حروب الثورة الفرنسية من خلال عمله في بلاط الأمير الألماني وليام التاسع. وقام بتفريق أبنائه الخمسة حيث توطنوا وأسسوا فروعاً لبيت روتشيلد في خمسة بلاد أوروبية هي: إنكلترا وفرنسا والنمسا وإيطاليا بالإضافة إلى ألمانيا.

الجدير بالذكر أن عائلة روتشيلد، مثلها مثل غيرها منن عائلات أثرياء اليهود المندمجين في المجتمع البريطاني، كانت في البداية ترفض صهيونية تيودور هرتزل السياسية  بسبب تخوُّفهم مما قد تثيره من إزدواج في الولاء، وهو ما يشكل تهديداً لمكانتهم ووضعهم الاجتماعي. وقد ساهمت العائلة في تأسيس "عصبة يهود بريطانيا" المناهضة للصهيونية. لكن هذا الموقف تبدَّل فيما بعد، حيث تبيّن أن وجود كيان صهيوني استيطاني في المشرق العربي يخدم مصالح الأمبراطورية البريطانية، وذلك إلى جانب أن الصهيونية كان يتم تقديمها في ذلك كحل عملي لتحويل هجرة يهود شرق أوروبا إلى فلسطين بعيداً عن انكلترا وغرب أوروبا.  وبدأت عائلة روتشيلد بأعمالها مع توارث الابناء الأباء إدارة شؤون العائلة وكانوا في خدمة الصهيونية.

استقر جيمس أرماند دي روتشيلد(1878-1957) في بريطانيا، الذي حصل على الجنسية البريطانية، حيث اصبح عضواً في البرلمان البريطاني وخدم في الجيش البريطاني في كل من بريطانيا وفرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى. وكان من مهامه تجنيد المتطوعين من بين المستوطنين اليهود في فلسطين للالتحاق بالفيلق اليهودي، كما أُلحق ضابطاً بمشاريع عديدة في فلسطين، ترأس هيئة الاستيطان اليهودي في فلسطين التي كانت تدير المستوطنات التي أسسها والده. وخصَّص في وصيته عند وفاته مبالغ كبيرة لإقامة مشاريع من أهمها إنشاء مبنى الكنيست في القدس.

وفي باريس، أسس جيمس ماير دي روتشيلد (1792-1868) فرع بيت روتشيلد عام 1812. وأصبح شخصية مالية احتفظت بنفوذها الواسع في عالم المال رغم تغيُّر الحكومات، فعمل على تدبير القروض لملوك البوربون، وكان مقرباً للملك لويس فيليب حيث تولى إدارة استثماراته المالية الخاصة، وقدَّم قروضاً عديدة للدولة، كما حصل على امتياز بناء سكك حديد الشمال الفرنسية التي ظلت ملكاً لعائلة روتشيلد حتى عام 1940.

ومن الابناء الخمسة إدموند روتشيلد (1845-1934) الذي دعم النشاط الاستيطاني اليهودي في فلسطين. وترأس حفيده إدموند رئاسة لجنة التضامن مع "إسرائيل" في عام 1967 وقد ترأسها قبله جي دي روتشيلد. وقام ادموند في الخمسينيات والستينيات باستثمارات عديدة في الكيان المؤقت، كما ترأس جيش النداء اليهودي الموحَّد. وعند وقوع فرنسا تحت الاحتلال الألماني عام 1940، تم الاستيلاء على ممتلكات العائلة، وفرَّ أفرادها الى انكلترا والولايات المتحدة حيث ظلوا طوال فترة الحرب. واستعادت العائلة الجزء الأكبر من ممتلكاتها وثرواتها عقب انتهاء الحرب.

شهدت عائلة روتشيلد تدهوراً حاداً في وضعها في ظل الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى والتي انتهت باستيلاء النظام النازي على مؤسستهم عام 1938 بعد ضم النمسا إلى ألمانيا النازية. وتمت تصفية فرع بيت روتشيلد في النمسا بعد رحيل لويس دي روتشيلد (1882-1955) إلى الولايات المتحدة.

كما تم اقفال باقي الفروع، بسبب موت الوريث، حيث انقرض فرع الأسرة في فرانكفورت.

ويتضع مما سبق أن عائلة روتشيلد، من العائلات اليهودية المالية الكبيرة في أوروبا، كانت في البداية من يهود البلاط ثم أصبحت تشكل جزءا من الرأسمالية الذي بدأ يتشكل خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي فترة اتسمت بتحولات عميقة في المجتمعات الأوروبية وبتزايد حدة الاضطرابات السياسة والصراعات والأطماع العسكرية. فشارك بيت روتشيلد في تمويل الجيوش والحروب، وفي تسوية التعويضات والديون، وفي تمويل المشاريع وإعاة ما دمرته الحروب وفي تقديم القروض للعديد من الملوك والزعماء، وفي تمويل المشاريع ومخططات الاستعمارية والتي كان المشروع الصهيوني في فلسطين في نهاية الأمر يشكل جزءاً منها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور