الأربعاء 26 كانون الثاني , 2022 04:44

تراجع الردع الأمريكي: "إسرائيل" تعيد بلورة استراتيجياتها!

الكيان الاسرائيلي

تربك الملفات على كافة الجبهات مراكز صنع القرار في الكيان الإسرائيلي، حيث لا يزال البرنامج النووي الإيراني ومفاوضات فيينا هي أساس المعضلة الإسرائيلية، ويضاف اليوم الى هذه الملفات تصاعد تهديدات ومعادلات ردع الجيش واللجان الشعبية اليمنية.

وفي مقال لـ"معهد السياسة والاستراتيجية" العبري، تُعرض قراءة كيان الاحتلال للأحداث وتداعياتها على جبهته الداخلية في ظل "تراجع وضعف الردع الأمريكي في الشرق الأوسط".

المقال المترجم:

الواقع الاستراتيجي يتغير ويستوجب مبادرة سياسية أمنية تعطي جوابا للتهديدات والفرص الكامنة فيه. إسرائيل تتمتع باستقرار أمني واقتصادي، توجد في تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، تقيم تعاونا استراتيجيا مع الدول السنية في إطار اتفاقات ابراهيم، وتحتفظ بتفوق عسكري واضح على خصومها الاقليميين. ومع ذلك، فان الاستراتيجية الإيرانية العامة الساعية باستمرار وبقوة في السنتين الاخيرتين لتعزيز نفوذها الاقليمي من خلال استخدام القوة ودحر الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين، الى جانب تطوير قدراتها التكنولوجية في النووي، تنجح في تثبيت ردع ناجع حيال المعسكر السني ووضع تحدي متعدد الابعاد وبعيد المدى لإسرائيل. إسرائيل مطالبة بوضع استراتيجية شاملة لصد إيران في المنطقة، تمنعها من الوصول الى قدرة حافة نووية، في ظل تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ودول المنطقة.

جولة المحادثات الحالية في فيينا، والتي بدأت في 27 كانون الاول، تقترب من مرحلة الحسم، رغم أن الفجوات الجوهرية بين الطرفين بقيت على حالها. واشار وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن الاسبوع الماضي بانه بتقديره بقي قليل جدا من الوقت، بضعة اسابيع في اقصى الاحوال لاتخاذ القرار بالعودة الى الاتفاق النووي وذلك لان إيران تقترب من النقطة التي تتمكن فيها من انتاج ما يكفي من المادة المخصبة للانطلاق الى سلاح نووي. وحذر بلينكن من ان الولايات المتحدة ستكون مستعدة لان تفحص خيارات اخرى في حالة فشل المفاوضات.

أما إيران بالمقابل، فتتخذ استراتيجية تسويف في ادارة المفاوضات في فيينا وتطالب بإلغاء نظام العقوبات الى ما يتجاوز ما وصف في الاتفاق الاصلي، لمنع تفعيل متكرر للعقوبات ضدها في المستقبل، لتخزين اجهزة الطرد المركزي المتطورة وعدم تفكيكها وغيرها. هدف إيران هو العودة الى الاتفاق النووي الاصلي بشروطها، في ظل استخدام الرغبة الأمريكية للعودة الى الاتفاق لغرض تثبيت اثمان اقتصادية، والابقاء على التقدم التكنولوجي المتحقق في النووي حتى الان.

وبالتوازي تستخدم إيران روافع على الولايات المتحدة من خلال إطلاق الصواريخ والمسيرات الانتحارية للقوات الفرعية والميليشيات الشيعية ضد اهداف أمريكية في سوريا وفي العراق. وفي الحدث الاخطر حتى الان لسلسلة الاحداث الهجومية في الذكرى السنوية لتصفية قاسم سليماني (3 كانون الثاني) أطلقت أربع صواريخ نحو السفارة الأمريكية في بغداد "المنطقة الخضراء". ومع أن النار لم تلحق الاصابة بالأرواح ولكنها جسدت الجسارة المتزايدة لإيران في استخدام القوة ضد الولايات المتحدة. وأدى الهجوم الى تحذير خطير لإيران من جانب البنتاغون بانه في حالة استمرار الهجمات، فان الولايات المتحدة سترد.

ومع ذلك، فان الردع الأمريكي في الشرق الاوسط ضعف، وغياب الرد حتى الان والذي ينبع من رغبة الولايات المتحدة في التقدم في محادثات النووي والامتناع عن الانجرار الى معركة مباشرة ضد إيران يشجع القوى الفرعية الإيرانية لممارسة مزيد من اعمال القوة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. في هذا الإطار تصاعدت المعركة في اليمن في الاسابيع الاخيرة في اعقاب إطلاق النار الباليستية من جانب الحوثيين نحو الاراضي السعودية (25 كانون الاول)، اختطاف سفينة اتحاد الامارات في البحر الاحمر (3 كانون الثاني)، وهجمة المسيرات في المطار الدولي والمنطقة الصناعية في ابو ظبي (17 كانون الثاني) والتي أدت الى موت ثلاثة عاملين جانب واصابة ستة.

شجب مجلس الامن بشدة اختطاف السفينة ودعا الى حفظ حرية الملاحة في المسارات الدولية في خليج عدن وفي البحر الاحمر. ومع ذلك، فان غياب الرد العسكري من جانب الولايات المتحدة وحلفائها على استخدام إيران للقوة في سوريا، العراق واليمن يؤدي بالمعسكر السني، ولا سيما اتحاد الامارات والسعودية، الى تعزيز العلاقات الثنائية مع طهران، وخوض حوار مباشر معها. ان السياسة الأمريكية تجبر المعسكر السني على اجراء تعديلات وتغييرات في سياسته الاقليمية حول إيران، في ضوء التقدير بان السند الأمريكي غير مصداق.

وبالتوازي، يتركز الاهتمام العالمي على الازمة الناشئة في اوكرانيا. روسيا تطالب الولايات المتحدة والناتو بضمانات الا يتوسع الناتو شرقا الى اوكرانيا والا يقبل مزيدا من الدول التي كانت سابقا في الاتحاد السوفياتي، وتدعو الى اخراج القوات العسكرية والاسلحة من وسط وشرق اوروبا. وشدد وزير الخارجية الروسي على أن "روسيا لن تنتظر الى الابد" جواب الولايات المتحدة والناتو، وان لموسكو عددا من الخيارات يمكن أن تستخدمها في حالة ربط مطالبها. معظم مطالب روسيا فضلت حتى الان رفضا باتا من الولايات المتحدة والناتو واللتين شددتا على ان روسيا ستدفع ثمنا باهظا في حالة توجهها الى الخيار العسكري.

التوتر المتصاعد يضع في الاختبار تصميم وقدرة الولايات المتحدة على منع استخدام روسيا للقوة، وقد نشرت حتى الان أكثر همن 100 ألف جندي على الحدود مع اوكرانيا. الجهد الدبلوماسي لم ينتهِ بعد، لكن من شأن الفشل الأمريكي في هذه الساحة أن تكون له مضاعفات تجاه الصين، إيران وفي الشرق الاوسط.

واستمرارا لذلك، فان تفاهما أمريكيا - روسيا في مسألة النووي الإيراني حرج في القدرة على بلورة تفاهمات دولية في محادثات النووي في فينا بل والتقدم لاحقا الى الاتفاق. كما أن بث ضعف أمريكي في الازمة في اوكرانيا سيؤثر على مكانة واستقرار الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وعلى قوة الردع لديها. سيكون لهذا معان سواء في جانب اعادة انتشار المعسكر السني المؤيد لأمريكا في المنطقة، زيادة التأثير الروسي والصيني في الشرق الاوسط واستعداد إيران والمحور الراديكالي لأخذ مخاطر في بناء القوة والاحتكاك مع إسرائيل.

في السياق المحلي، تشكل المسألة الفلسطينية عنصرا من شأنه أن يقوض الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة وتجاه الولايات المتحدة. فغياب الاستراتيجية الشاملة، والرغبة الإسرائيلية في "تقليص" النزاع وادارته دون افق سياسي، يخلقان احساس استقرار وهمي في ضوء تعظيم الاعمال الاقتصادية - المدنية من جهة، واعمال "جز العشب" العسكرية من جهة اخرى. فهشاشة السلطة الفلسطينية، بما في ذلك في ضوء الخطاب المتعاظم عن "اليوم التالي" لأبو مازن وتواصل جهد حماس لإشعال الاجواء في الضفة، القدس وفي المجتمع العربي في إسرائيل تعظم الاحتكاكات العنيفة في الساحة الفلسطينية بشكل من شأنه أن يقلل من الاهتمام والتركيز في المسألة الإيرانية.

من ناحية ملموسة، تحاول حماس تثبيت معادلة عمل جديدة تجاه إسرائيل بعد حملة حارس الاسوار. من جهة تهدد بخطوط حمراء تخرق حماس بسببها التهدئة (القدس، السجناء والان الاضطرابات في النقب)، بل وتصمم رواية كفاح وطني فلسطيني شامل ضد إسرائيل (يخدم قيادتها "في اليوم التالي")، وبالمقابل تدفع الى الامام التسوية في غزة والتي تثبت حكمها. غياب استراتيجية إسرائيلية شاملة، سواء في القطاع أم في الضفة وفي مركزها افق سياسي يثبت مكانة السلطة الفلسطينية وفكرة الفصل، في ظل تواصل "آلية الجولات" يخدم حماس التي تحاول تثبيت نفسها كالقيادة الوطنية للساحة الفلسطينية.

الخطط الإسرائيلية المرتقبة في الفترة المقبلة

_ توقيع متجدد للاتفاق النووي بين القوى العظمى وإيران من شأنه أن يبقي القدرات والمعلومات التكنولوجية المتطورة في ايدي طهران، الى جانب تعزيز الاقتصاد المحلي في اعقاب رفع العقوبات وزيادة التجارة مع دول المنطقة والساحة الدولية. في هذا السيناريو ستكون قدرة عمل إسرائيل محدودة في ضوء ضغط القوى العظمى وبخاصة أمريكا للحفاظ على الاتفاق الموقع، ومنع ضعضعة الاستقرار الاقليمي. على إسرائيل أن تبلور سياسة متداخلة في اطارها تعمل على توثيق الحلف الاستراتيجي مع واشنطن لتمكين محور التعاون والتنسيق العسكري - الاستخباري، الى جانب بناء قوة خاصة تسمح لها بعملية مستقلة في حالة تجاوز إيران الخطوط الحمراء في النووي.

_ لاحقًا لذلك سيؤدي تجديد الاتفاق النووي باحتمالية عالية الى سباق تسلح تقليدي لعموم دول المنطقة بوسائل قتالية غربية، روسية وصينية متطورة. على إسرائيل أن تبلور سياسة اقليمية متوازنة في اطارها تعمق التعاون الامني العسكري مع دول الخليج، مصر والاردن لغرض صد النفوذ والتآمر الاقليمي الإيراني، الى جانب الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي.

_ على السياسة الإسرائيلية ان تناور بين المصالح المتضاربة، وان تخلق مجال مرونة يسمح بالتقدم في التعاون الاقليمي في ظل الحفاظ على القوى التكنولوجية والبشرية. اما تآكل التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال تسلل تكنولوجيات متطورة، رأسمال بشري واساليب تفعيل خاصة فستعرض للخطر امن إسرائيل في المدى البعيد، رغم المزايا التي ينطوي عليها الامر في ا لمدى القصير في المواجهة مع إيران.

_ على إسرائيل ان تستغل الفرص في الدينامية الاقليمية كي تعزز اهدافها الاستراتيجي وعلى رأسها دحر إيران من سوريا ولبنان، تقليص تهديد النار الدقيقة على إسرائيل ومنع إيران من ا لوصول الى قدرة حافة نووية. وفي هذا السياق مثلا، فان توسيع المعركة ما بين المعارك في سوريا ضد اهداف إيرانية ("العصا")، الى جانب الاستعداد للاعتراف بنظام الاسد، والدفع الى الامام بإعمار الدولة في ظل التنسيق السياسي الامني مع ا لدول العربية وروسيا ("الجزرة")، يمكنه أن يشكل استراتيجية ناجعة لتقليص النفوذ الإيراني في الدولة.

_ على إسرائيل أن تواصل تعزيز التنسيق الامني والمساعدة المدنية - الاقتصادية، في ظل تعزيز حوكمة السلطة، صد حماس على الارض وتمكين الردع تجاهها. في سياق التوتر في النقب على إسرائيل أن تطلق اشارة واضحة لحماس بان استمرار جهودها لإشعال الاجواء بين مواطني إسرائيل العرب ليس مقبولا وسيجبي ثمنا من الحركة، ولا سيما في شكل تقييد الخطوات الإسرائيلية واسعة النطاق التي تعمل عليها إسرائيل تجاه القطاع. في الجانب بعيد المدى، على إسرائيل أن تبلور استراتيجية شاملة تشير الى افق سياسي لتحقيق فكرة الفصل لأجل منع المسيرة الزاحفة المتحققة بشكل "الدولة الواحدة"، ومنع أزمة في العلاقات مع واشنطن.

_ الأزمة في اوكرانيا تؤثر على مبنى الامن العالمي والاقليمي. يمكن أن تفسر الازمة الحالية ايضا كنتيجة للطموح الغربي للاستقرار والامتناع عن معارك عسكرية في عصر ازمة صحية واقتصادية عالمية. على إسرائيل أن تمتنع بقدر الامكان عن التدخل في الازمة في اوكرانيا في ضوء الحاجة للحفاظ على التنسيق الاستراتيجي مع سوريا في سياق المعركة بين المعارك في سوريا، وبالتوازي تعزيز التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة قدر الامكان.


المصدر: "معهد السياسة والاستراتيجية" العبري

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور