الأحد 12 أيلول , 2021 02:00

تركيا في أفغانستان: مناورة إلى أن ينجلي الغبار

تكشف المؤشرات العملية للأحداث الأخيرة على الساحة الأفغانية عن بداية ظهور نموذج لتنافس آخر بين القوى الفاعلة في محاولة لسد الفراغ الذي تركه الانسحاب الأميركي من البلاد. وفي حين تنظر تركيا لتعزيز تواجدها الذي كان يقتصر على حضور غير فاعل بشكل كبير فإن الخيارات المحدودة المتاحة أمامها قد لا تمنحها الفرص التي تنتظرها.

لم يكن الحضور التركي في أفغانستان مسألة مستجدة، إلا ان الأحداث الأخيرة والتطورات وسيطرة طالبان السريعة على السلطة، كشفت عن خلافات حادة متعلقة بالدور التركي في البلاد. فمن جهة لم يكن دور تركيا القتالي مهماً بشكل كبير منذ 2003، خاصة في محيط العاصمة كابل، والذي قد نتج عنه تقارب في العلاقات بين أطراف النزاع وأنقرة، إلا أن ما أفرزته المحادثات الأخيرة في الدوحة والاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان من جهة أخرى لم يؤثر بشكل إيجابي على تركيا.

فتركيا التي تبحث عن فرصة لتعزيز وجودها في أفغانستان من خلال التفاوض مع طالبان، رأت من مسألة تأمين حماية مطار كابل فرصة براغماتية استغلتها بشكل جيد، وعلى الرغم من ذلك أعلنت انسحاب قواتها من البلاد. غير ان هناك توجه آخر يفرض نفسه في الاستراتيجية التركية وهو إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة وتعزيز وجودها وموقعها ضمن حلف الناتو.

من المؤكد أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان سيعيد ترتيب المشهد الجيوسياسي في المنطقة، يكمله إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مواقفها الاستراتيجية الجديدة تجاه كل من الصين وروسيا. في ظل هذا التموضع الجديد تعتقد تركيا أن تقاربها مع حركة طالبان سيساهم في تعزيز من حضورها على الساحة الأفغانية وبالتالي تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية، ما يجعل الحكومة التركية تتخذ موقف المناورة في الحفاظ على العلاقات بين الجانبين واشنطن وطالبان.

تعتمد أنقرة بشكل أساسي على الأسواق الغربية في صادراتها بالوقت الذي تعتمد فيه وارداتها على الأسواق الصينية والروسية والتي وصلت عام 2019 إلى 40 مليار دولار من إجمالي وارداتها الذي بلغ 202 مليار دولار. غير ان الأزمة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد جعلت من البوابة الأفغانية متنفساً تسعى تركيا لاستغلاله.

هذا الصراع المنتظر بين الصين وروسيا والولايات المتحدة والذي قد يحتدم بشكل كبير في المرحلة المقبلة، يثير رغبة تركيا بالانضمام إليه، لكن هناك سؤال يطرح في هذا السياق، هل ستتمكن تركيا من مواجهة العقوبات الأميركية التي قد تفرض عليها، خاصة وأنها اقتصادها غير مؤهل للمواجهة؟ حتى الآن نجحت تركيا شيئاً ما في الحفاظ على التوازن في موقفها من النزاعات الدولية والإقليمية وهذا ما جعلها في مأمن من ردود الأفعال، لكن إذا ما قررت تركيا الدخول في اللعبة الأفغانية عليها ان تدرك ان عقد التوازن هذا سيكون سريع العطب.

قد تستطيع تركيا ان تحظي بدور فاعل في أفغانستان إذا حررت استراتيجيتها من ضرورة التواجد العسكري واعتقادها بأنه المفتاح للحضور الاقتصادي والسياسي الفاعل. وان تستغل المفاوضات القائمة وإعادة خلط الأوراق لكسب ثقة طالبان من جهة وتحريك الجمود مع واشنطن.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور